فلة.. والعَصفور
زوزان صالح اليوسفي
كانت
الساعة تشير إلى التاسعةِ مساءً، تقدمت فلة نحو أمها بخطواتها الصغيرة وهي تحملُ عَروستها
المُفضلة نونة، طلبت مِن أمها قائلة: هيا يا ماما لقد حانَ مَوعد حِكاية هذه الليلة لترويها
لنا.
ففلة
الصغيرة لا تنام إلا بعد سماعِها لحكايةٍ مِن حِكاياتِ أمِها، أمسكت الأم بيدِ فلة
وأخذتها إلى غرفتِها، وهي
تفكر ماذا ستروي لأبنتها هذه الليلة؟ فهي تعلم أنهُ أمرٌ وواجبٌ يومي لابد منهُ، وما أن
وصلتا إلى الغرفة؛ حتى رَكضت فلة نحو فِراشِها وهي تحضنُ عَروستها نونة بكل حنان
وبينما كانت الأم تغطي فلة في الفراش، هَمست فلة لعَروستها قائلة: نونة كوني فتاة هادئة
لأنَّ موعد الحِكاية قد حَان، (ثمَّ نظرت إلى أمها بشوق ) وطلبت بلهفة قائلة: هيا
يا ماما ماذا ستحكي لنا الليلة؟
جلست
الأم وأبتسمت بحنان وكانت تدرك مدى لهفة فلة لِسماع الحكاية، فأجابت بحنان قائلة: أسمعي
يا حبيبتي سأروي لكِ الليلة حِكاية العَصفورة والشوكة.
فرحت
فلة وظنت إنها حِكاية جديدة فأجابت بلهفة وسعادة قائلة: رائع، حِكاية جديدة يا
ماما أليس كذلك؟
فأجابت
الأم قائلة: لا يا حبيبتي هذه الحِكاية كنتُ أرويها لك عندما كنت في الثالثة والرابعة
مِن عُمركِ إنها حِكاية للأطفال الصِغار جداً، وكنتِ حينها تستمتعين بها كثيراً،
والآن أصبحت في السابعة، وبدأت أروي لك الحِكايات المُناسبة لِعمرك، وبما أنني مُتعبة
قليلاً هذه الليلة لذا أخترتُ لك هذه القصة القصيرة، أرجو أن تستمتعي بها، فأجابت
فلة ببراءة قائلة: حسناً يا ماما، أنا ونونة مُتلهفات لِسماع الحكاية، هيا أبدئي.
بدأت
الأم تروي الحِكاية قائلة: كان يا ما كان، كانَ هناك عصفورٌ صَغير يَلعبُ لوحدهِ في
البُستان، وفجأة دخلت شوكة في إحدى قدميهِ، حَاول أن يُخرجها لكنهُ لم يستطع، فطارَ
وهو يتألم ويَبكي ويَنظرُ هُنا وهُناك لعلهُ يرى أحداً ليُخرج لهُ الشوكة.
شاهدَ
العَصفور مِن بعيد إمرأة عجوز تخبزُ الخُبز فتقدمَ نحوها وهو يَبكي ويَصرخ مِن
الألم قائلاً: آه.. آه.. آه يا قدمي.
نظرت
العَجوز إلى العَصفور بحَنان وسألتهُ قائلة: ما بك أيُّها العَصفورُ الصغير لماذا
تبكي؟! هل تتألم مِن شيء؟!
فأجابها
العَصفور وهو يَبكي ويتأوه قائلا: آه .. آه مِن الألم يا سيدتي، كنتُ ألعبُ في البُستان
وفجاءةً دَخلت شوكة في قدميِّ وهي تؤلمني كثيراً حَاولت أن أخرجها لكني لم أستطع،
لا أدري مَاذا أفعل؟
فأجابت
العَجوز بحنان قائلة: لا تبكي أيُّها العَصفور الصغير، تعالَ لأخرج لك تلك الشوكة.
تقدمَ
العَصفور نحو العَجوز وهو يَبكي مِن شدةِ الألم، وما أن رأت العَجوز الشوكة؛ حتى
أخرجتها مِن قدمهِ ورمتها في نار التنور الذي كانت تخبزُ الخبز فيهِ وهي تردُّ
بغضب قائلة: لتذهبي إلى الجَحيم أيتها الشوكة اللعينة.
ولما
رأى العَصفور ما فعلتهُ العَجوز بالشوكةِ، حتى أخذ يَبكي مرة أخرى فأستغربت العَجوز؟!
فسألتهُ
بإستغراب قائلة: ماذا جرى أيُّها العَصفور؟! ولماذا تبكي مرة أخرى؟! لقد أخرجتُ لك
الشوكة ورَميتها في النار؛ حتى لا تدخل في قدمِّك مرة أخرى!؟
أجابَ
العَصفور وهو ما يَزال يبكي قائلا: لماذا رَميتِ الشوكة في النار أردتُ أن أراها
وأحتفظ بها، (وأخذ العَصفور يبكي ويَصرخ) وهو يَصيح قائلاً: أريدُ شوكتي، أريد
شوكتي.
قاطعت
فلة أمها بعصبية قائلة: يا لهُ مِن عَصفور سخيف، لو كنت مكان تلك العَجوز لمَا
أخرجتُ تلك الشوكة مِن قدمهِ طالما أرادَ الأحتفاظ بها!
فأجابت
الأم بأبتسامة قائلة: الحق معكِ يا فلة فبدلاً أن يَشكر السيدة العَجوز على
مُساعدتِها أخذ يتمردُ ويُطالب بالشوكة، ولكن دعيني أكملُ لك الحِكاية.
فطلبت
فلة بلهفة قائلة: هيا أكملي، وماذا حدثَ بعد ذلك؟
أستمرت
الأم وهي تروي الحِكاية قائلة: حَزنت العَجوز على العَصفور ولا تعرف كيف تراضيهُ،
ليكف عن البكاءِ والصراخ.
وبعدَ
التفكير أجابت السيدة العَجوز قائلة: أنا آسفة أيُّها العَصفور الصغير فلم أعلم إنك
كنت تريد الأحتفاظ بالشوكة يا عزيزي، حسناً لا تبكي فسوف أعطيك رغيفاً طازجاً ولذيذاً.
هدأ
العَصفور وكأنهُ كان ينتظر سَماع هذا الكلام فأجاب بفرح قائلا: حسناً، أقبلُ بعرضكِ،
هاتِ رغيفي لأرحل.
فأبتسمت
السيدة العجوز وأعطتهُ رغيفاً حاراً وطازجاً وهي تخبرهُ قائلة: خذ الرغيف أيُّها
العَصفور الصغير وعد إلى مَنزلِك وأنتبه جيداً لنفسك مرة أخرى مِن الأشواك حين
تلعب.
سرَ
العَصفور كثيراً بالرغيف، فأخذها بلهفة وطار بعيداً وهو يُودع السيدة العجوز
قائلاً: حسناً، سوف أنتبه جيداً حينما ألعب، وداعاً أيتها السيدة الطيبة، وشكراً
على الرغيف.
قاطعت
فلة أمها مرة أخرى بعصبية قائلة: يا لهُ مِن عَصفور ماكر يا أمي كيف بَدل الشوكة
برغيفٍ طازج؟!
أبتسمت
الأم بحنان وأجابت قائلة: رُبما كان جائعاً يا عزيزتي، وتحججَ بهذه الحجة لينال
رغيفاً مِن تلك العَجوز الطيبة.
فأجابت
فلة بلهفة قائلة: حسناً يا أمي أكملي الحِكاية، وماذا جرى للعَصفور بعد ذلك؟!
أستمرت
الأم قائلة: وبعدها طار العَصفور بعيداً، ثم سَمع أصوات الفرح والزغاريد، فلمحَ
موكب عُرس مِن بعيد في أحدى القرى، حيث كانوا يأخذون العروسة على الحصان إلى حيث
بيتها الجديد في ظل الأهازيج والزغاريد والغناء، نظرَ العصفور إليهم بلهفة فأغراهُ
مَوكب العَروس وتمنى لو يشاركهم بهذا الفرح، فأقترب مِن المَوكب وأخذ يُحلق فوق حِصان
العَروس.
وبعد
أن تعبَ مِن التحليق أقتربَ مِن العَروس وسألها قائلا: أسمعي أيتها العَروسة
الجميلة هل أستطيع أن أضع رغيفي هذا عندكِ لأذهب لقضاء حاجتي ثم أعود لأخذها؟
نظرت
العَروس إليهِ وأجابتهُ وهي على حصانها قائلة: حسناً أيُّها العصفور، سوف أحتفظ لك
بها إلى حين عودتك، ولكن لا تتأخر فسوف نصل بعد قليل إلى حيثُ بيتي الجديد.
أعطى
العَصفور رغيفهُ للعروسة قائلاً: حسناً، سوف أعود بعد قليل.
فطارَ
العَصفور لقضاءِ حاجتهِ، وبعد عودتهِ سأل العروسة قائلا: أين رغيفي أيتها العَروسة؟!
أجابت
العَروس بخجل قائلة: بعد أن طرت بعيداً وتأخرت، شعرتُ بالجوع ولم أستطع الأنتظار
فأكلت رغيفك الطازج وكان لذيذاً جداً، أنا آسفة أيُّها العَصفور.
قاطعت
فلة أمها مرة أخرى وصاحت بعصبية قائلة: يا لها مِن عروس جشعة آلا تخجل مِن هذا
العمل؟!، كيف أكلت رغيف هذا العَصفور الصغير؟!
أبتسمت
الأم وأجابت قائلة: مَن يجوع يا حبيبتي يأكل أي شيء يراهُ أمامهُ، كان يجب على العَصفور
أن يأكل رغيفهُ في الحال عندما أعطتهُ السيدة العَجوز.
فأجابت
فلة قائلة: صحيح يا أمي يا لهُ من عصفور غبي، حسناً وماذا جرى بعد ذلك؟
أستمرت
الأم قائلة: ظل العَصفور يبكي ويصرخ أريد رغيفي، أريد رغيفي.
توسلت
العَروس إليه قائلة: أرجوك أيُّها العَصفور الصغير لا تفضحني وأنا في موكب عُرسي ويوم
زفافي، ولا تبكي في يوم فرحي، تعال وأجلس بجانبي على الحِصان وستبقى معي إلى أن
نصل إلى بيتي الجديد، وهناك سوف أهتمُ بكَ وأعطيك في كل يوم رغيفاً حاراً وطازجاً.
وهنا
سكت العَصفور وأقتنع بكلام العَروس، فجلس بجانب العَروس على الحِصان مُفتخراً في
ظل مَوكبها سعيداً لمشاركتهِ بزفاف العَروس، حالماً بالرغيف الطازج الذي سوف يَحصل
عليهِ كل يوم دون عناء.
وهكذا
عاش العَصفور في بيتِ العَروس وهو يحصل كل يوم على خبزٍ طازج ولذيذ وعَاش سعيداً،
وأنتهت الحِكاية.
فأجابت
فلة قائلة: أعتقد يا أمي أنهُ ليس عَصفورٌ غبي بل ذكيٌ جداً!
فأجابت
الأم قائلة: أجل يا حبيبتي، فبدل رغيفٍ واحد أستطاعَ بذكائهِ أن يَحصل كل يوم على
رغيفٍ طازج، وألآن حان موعد نومكم أنتِ نونة.
فقبلت
الأم جبين أبنتها بحنان قائلة: تصبحين على خير يا حبيبتي.
فأجابت
فلة والنعاس يملأ جفونها قائلة: تصبحين على خير يا ماما.
ثم
حَضنت فلة عَروستها نونة وقبلتها قائلة: تصبحين على خير يا نونة، كانت حِكاية
اليوم جميلة وقد أستمتعنا بها.
نامت
فلة الصغيرة وهي تحلق مع العَصفور في أحلامها وعالم الطفولة السعيدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق