الــزرزور الـرمـادي
الطاهر شرقاوى
كان الزرزور الرمادي ، يسكن في شجرة ليمون .
في يوم ، قال لنفسه :
لا بد أن أبحث عن مكان آخر ، إنها شجرة صغيرة ، على فروعها شـوك يضايقني ، كمـا أن الأولاد ، الذين يـمسكون في أيديهم بنبلة ، سيرون عشي .
نعم ، لا بد أن أبحث عن مكان آخر .
رفرف الزرزور الرمادي بجناحيه ، وطار بين الأشجار .
حط على النخلة . وأخذ يقفز من جريدة إلى أخرى ، ثم قال :
النخلة لا تنفع ، لبناء العش ، الغربان والصقور ، ستراني بسهولة ، وأشعة الشمس الحامية ، ستكون فوق عشي طول النهار
لا بد أن أبحث عن مكان آخر .
هز الزرزور الرمادي جناحيه ، وطار إلى فوق ... فوق ... ثم نزل على شجرة الجوافة .
ثم طار ، ولف حولها مرتين .
قال بأسى :
رائحتها حلوة ، لكنها أيضا لا تنفع ، أفرعها قليلة ، ولا يوجد مكان لبناء العش .
لا بد أن أبحث عن مكان آخر .
حرك الزرزور الرمادي جناحيه ، حلق عاليا .. وبعيدا .. ثم حط على شجرة التوت ، الضخمة ، قال الزرزور بفرح :
أنا أحب التوت .
التوت طعمه حلو ، سأبني عشي بين الأوراق الكثيفة ، والفروع المتشابكة ، هنا لن يراني الأولاد ، ولن تراني الغربان والصقور ، كما أن الأوراق الخضراء ، ستحجب عنى أشعة الشمس .
أنا أحب شجرة التوت .
شجرة التوت ، لا يوجد بها شوك .
في يوم ، حط زرزور كبير ، على شجرة التوت ، قال : مكان جميل ، وتوت لذيذ .
نط الزرزور الرمادي ، إلى جـواره ، وهـو يقول : تعال لتبنى عشك هنا .
ابتسم الزرزور الكبير ، وقال : أنا لي عش ، على شجرة قريبة من هنا .
تكلم الزرزور الرمادى ، بعد أن ابتلع توتة سمراء : أنا أيضا كان لي عش ، في شجرة الليمون ، لكنى كرهت كل أشجار الليمون ، وجئت إلى هنا ، شجرة التوت أحلى مكان في الدنيا ، ولن أغيره أبدا .
الزرزور الكبير ، ابتلع هو الآخر حبة توت ، وقال : ليس هناك مكان جيد ، ومكان رديء ، نحن الذين نجعل المكان ، جميلا ، أو قبيحا .
ثم هز جناحيه ، وقال قبل أن يطير : سلام يا صديقي ، بالتأكيد سنلتقي مرة أخرى .
في الخريف ، بدأت الأوراق الخضراء تجف ، ثم تسقط ، مع أقل نسمة هواء ، ورقة بعد ورقة ، حتى صارت شجرة التوت ، الضخمة ، مجرد أفرع بنية .
أخرج الزرزور الرمادي ، رأسه من العش ، تلفت حوله ، وقال : ماذا حدث لشجرة التوت ، أين ذهبت الأوراق الخضراء ، أصبح المكان غير مناسب لي ، الشتاء قادم ، وأنا لا أتحمل البرد .
الزرزور الرمادي ، طار إلى أعلى .
نظر من فوق إلى عشه الصغير ، وشجرة التوت ، العارية ، وقال : انتظريني ، سأعود إليك ، في الربيع القادم .
ثم رفرف بجناحيه ، وطار بين الأشجار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق